فصل: فصل: (قصة إسلام عدي):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى (نسخة منقحة)



.فصل: (قصة إسلام عدي):

وكان من رؤساء النصارى الذين في الإسلام لما تبين أنه الحق الرئيس المطاع في قومه (عدي بن حاتم الطائي) ونحن نذكر قصته رواها الإمام أحمد والترمذي والحاكم وغيرهم، قال عدي بن حاتم أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالس في المسجد، فقال القوم: هذا عدي بن حاتم. وجئت بغير أمان ولا كتاب، فلما رفعت إليه أخذ بيدي، وقد كان قال قبل ذلك: «إني لا أرجوا أن يجعل الله يده في يدي» قال فقام لي، فلقيته امرأة وصبي معها فقالا إن لنا إليك حاجة فقام معهما حتى قضى حاجتهما، ثم أخذ بيدي حتى أتي بي داره فألقت له الوليدة وسادة فجلس عليها، وجلست بين يديه، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: «ما يفرك أن تقول لا إله إلا الله، فهل تعلم من إله سوى الله» قال قلت لا، ثم تكلم ساعة، ثم قال «إنما يفرك أن يقال الله تعالى أكبر، وتعلم أن شيئا أكبر من الله»؟ قال قلت فإني حنيف مسلم، قال فرأيت وجهه ينبسط فرحا، قال ثم أمر بي فأنزلت عند رجل من الأنصار جعلت أغشاه آتيه طرفي النهار، قال فبينا أنا عنده عشية إذ جاءه قوم في ثياب من الصوف من هذه النمار، قال فصلى وقام فحث عليهم، ثم قال: «ولو بصاع، ولو بنصف صاع، ولو بقبضة، ولو ببعض قبضة، يقي أحدكم وجهه حر جهنم أو النار ولو بتمرة ولو بشق تمرة، فإن أحدكم لاقى الله وقائل له ما أقول لكم؛ ألم أجعل لك سمعا وبصرا؟ فيقول: بلى، فيقول: ألم أجعل لك مالا وولدا؟ فيقول: بلى فيقول: أين ما قدمت لنفسك؟! فينظر قدامه وخلفه وعن يمينه وعن شماله ثم لا يجد شيئا يقي وجهه حر جهنم، ليق أحدكم وجهه النار ولو بشق تمرة، فإن لم يجد فبكلمة طيبة، فإن لا أخاف عليكم الفاقة، فإن الله ناصركم ومعطيكم حتى لتسير الظعينة فيما بين يثرب والحيرة أكثرة ما يخاف على مطيتها السرق» قال فجعلت أقول في نفسي فأين لصوص طي؟! وكان عدي مطاعا في قومه بحيث يأخذ المرباع من غنائمهم. وقال حماد بن زيد عن أيوب عن محمد بن سيرين، قال قال أبو عبيدة بن حذيفة، قال عدي بن حاتم بعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فكرهته أشد ما كرهت شيئا قط، فخرجت حتى أتيت أقصى لو أتيته فسمعت منه، فأتيت المدينة فاستشرفني الناس، وقالوا جاء عدي بن حاتم الطائي! جاء عدي ابن حاتم الطائي! فقال: «يا عدي بن حاتم الطائي أسلم تسلم» فقلت إني علي دين، قال: «أنا أعلم بدينك منك» قلت أنت أعلم بديني مني؟ قال: نعم، قال هذا ثلاثا قال: «ألست ركوسيا» قلت: بلى قال: «ألست ترأس قومك» قلت بلى، قال: «ألست تأخذ المرباع» قلت بلى، قال «فإن ذلك لا يحل لك في دينك» قال فوجدت بها على غضاضة، ثم قال: لعله أن يمنعك أن تسلم أن ترى عندنا خصاصة، وترى الناس علينا ألبا واحدا، هل رأيت الحيرة؟ قلت لم أرها وقد علمت مكانها، قال «فإن الظعينة سترحل من الحيرة تطوف بالبيت بغير جوار، وليفتحن الله علينا كنوز كسرى بن هرمز «كنوز كسرى ابن هرمز، وليفيض المال حتى يهتم الرجل من يقبل منه صدقته» قال فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن، ووالله لتكونن الثالثة إنه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.

.(قصة سلمان الفارسي):

وقد كان (سلمان الفارسي) من أعلم النصارى بدينهم وكان نقد تيقن خروج النبي صلى الله عليه وسلم فقدم المدينة قبل مبعثه، فلما رآه عرف أنه هو النبي الذي بشر به المسيح فآمن به واتبعه، ونحن نسوق قصته، قال ابن إسحاق: حدثني عاصم، عن محمود، عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال حدثني سلمان الفارسي من فيه، قال كنت رجلا فارسيا من أهل أصبهان من قرية يقال لها جي، وكان أبي دهقان قريته، وكنت أحب خلق الله إليه لم يزل حبه إياي حتى حبه إياي حبسني في بيت كما تحبس الجارية، فاجتهدت في المجوسية حتى كنت قطن النار التي نوقدها لا نتركها تخبو ساعة، وكانت لأبي ضيعة عظيمة فشغل في بنيان له يوما، فقال يا بني إني قد شغلت في بنياني هذا اليوم عن ضيعتي فاذهب إليها فاطلعها، وأمرني فيها ببعض ما يريد، ثم قال لي ولا تحتبس عني فإنك إن احتبست عني كنت أهم إليّ من ضيعتي وشغلتني عن كل شيء من أمري، فخرجت أريد ضيعته التي بعثني إليها فمررت بكنيسة من كنائس النصارى فسمعت أصواتهم فيها وهم يصلون، وكنت لا أدري ما أمر الناس لحبس أبي إياي في بيته، فلما سمعت أصواتهم دخلت عليهم أنظر ما يصنعون، فلما رأيتهم أعجبتني صلاتهم ورغبت في أمرهم، وقلت هذا والله خير من الذي نحن عليه، فو الله ما برحتهم حتى غربت الشمس وتركت ضيعته فلم آتها، ثم قلت لهم أين أصل هذا الدين؟ قالوا بالشام، فرجعت إلى أبي وقد بعث في طلبي وشغلته عن عمله كله، فلما جئته قال يا بني أين كنت؟ ألم أكن عهدت إليك ما عهدت؟ قلت يا أبت مررت بأناس يصلون في كنيسة لهم فأعجبني ما رأيت من دينهم فوالله ما زلت حتى غربت الشمس، قال: أي بني! ليس في ذلك الدين خير، دينك ودين آبائك خير منه، فقلت له كلا والله إنه لخير من ديننا، فخاني فجعل في رجلي قيدا ثم حبسني في بيته، وبعثت إلى النصارى فأخبروني، فقلت لهم إذا قضوا حوائجهم وأرادوا الرجعة إلى بلادهم فآذنوني بهم، قال فلما أرادوا الرجعة أخبروني بهم فألقيت الحديد من رجلي ثم خرجت معهم حتى قدمت الشام، فلما قدمتها قلت من أفضل أهل هذا الدين علما، قالوا الأسقف في الكنيسة، فجئته فقلت له إني قد رغبت في هذا الدين، وأحببت أن أكون معك فأخدمك في كنيستك، وأتعلم منك، وأصلي معك، قال ادخل فدخلت معه، فكان رجل سؤ يأمرهم بالصدقة ويرغبهم فيها فإذا جمعوا إليه شيئا منها اكتنزه لنفسه ولم يعطه المساكين، حتى جمع سبع قلال من ذهب وورق، فأبغضته بغضا شديدا لما رأيته يصنع، ثم مات واجتمعت النصارى ليدفنوه فقلت لهم إن هذا كان رجل سؤ يأمركم بالصدقة ويرغبكم فيها فإذا جئتموه بها اكتنزها لنفسه ولم يعط المساكين منها شيئا، فقالوا لي: وما علمك بذلك؟ قلت: أنا أدلكم على كنزه، فأريتهم موضعه فاستخرجوا سبع قلال مملوءة ذهبا وورقا، فلما رأوها قالوا والله لا ندفنه أبدا، فصلبوه ورموه بالحجارة!! وجاءوا برجل آخر فجعلوه مكانه، فما رأيت رجلا يصلي أرى أنه أفضل منه ولا أزهد في الدنيا ولا أرغب في الآخرة ولا أدأب ليلا ولا نهارا منه، فأحببته حبا لم أحبه شيئا قبله، فأقمت معه زمانا ثم حضرته الوفاة، فقلت له يا فلان إني قد كنت معك وأحببتك حبا لم أحبه شيئا قبلك، وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي وبم تأمرني، فقال أي بني والله ما أعلم أحدا على ما كنت عليه، ولقد هلك الناس وبدلوا وتركوا أكثر ما كانوا عليه إلا رجلا بالموصل وهو فلان وهو على ما كنت عليه، فلما مات وغيّب لحقت بصاحب الموصل، فقلت له يا فلان ان فلانا أوصاني عند موته إن الحق بك، وأخبرني إنك على أمره، فقال أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته خير رجل على أمر صاحبه، فلما حضرت الوفاة قلت له يا فلان إن فلانا أوصى بي إليك وأمرني باللحوق بك وقد حضرك من أمر الله ما ترى، فإلى من توصي بي، وبم تأمرني، قال يا بني والله ما اعلم رجلا على مثل ما كنا عليه إلا رجلا بنصيبين وهو فلان فالحق به، فلما مات وغيب لحقت بصاحب نصيبين فأخبرته خبري وما أمرني به صاحبي، فقال أقم عندي، فأقمت عنده فوجدته على أمر صاحبه، فأقمت مع خير رجل، فوالله ما لبثت أن نزل به الموت، فلما حضر قلت له يا فلان إن فلانا أوصي بي؟ إلى فلان ثم أوصى بي فلان إليك فإلى من توصي به؟ وبم تأمرني؟ فقال: يا بني! والله ما أعلمه بقي أحد على أمرنا آمرك أن تأتيه إلا رجلا بعمورية من أرض الروم، فإنه على مثل ما نحن عليه، فإن أحببت فأته، فلما مات وغيب لحقت بصاحب عمورية فأخبرته خبري، فقال أقم عند فأقمت عند خير رجل على هدى أصحابه وأمرهم، فاكتسبت حتى كانت لي بقيرات وغنيمة، ثم نزل به أمر الله، فلما حضر قلت له يا فلان إني كنت مع فلان فأوصى بي إلى فلان، ثم أوصي بي فلان إليك، فإلى من توصي بي؟ وبم تأمرني؟ قال: يا بني والله ما أعلمه أصبح على مثل ما كنا عليه أحد من الناس آمرك أن تأتيه؛ ولكنه قد أظل زمان نبي مبعوث بدين إبراهيم يخرج بأرض العرب، مهاجره إلى أرض بين حرتين، بينهما نخل، به علامات لا تخفى: يأكل الهدية ولا يأكل الصدقة، بين كتفيه خاتم النبوة، فإن استطعت أن تلحق بتلك البلاد فافعل، ثم مات وغيب، فمكثت بعمورية ما شاء الله أن أمكث، ثم مر بي نفر من كلب تجار فقلت: لهم أحملوني إلى أرض العرب وأعطيكم بقيراتي هذه وغنيمتي هذه قالوا نعم فأعطيتموها فحملوني معهم، حتى إذا بلغوا وادي القرى ظلموني فباعوني من رجل يهودي فكنت عنده، فرأيت النخل فرجوت أن يكون البلد الذي وصف لي صاحبي ولم يحق في نفسي، فبينا أنا عنده إذ قدم عليه ابن عم له من بني قريظة من المدينة فابتاعني منه فحملني إلى المدينة، فوالله ما هو إلا أن رأيتها فعرفتها بصفة صاحبي، فأقمت بها، وبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقام بمكة ما أقام لا أسمع له بذكر مع ما أنا فيه من شغل الرق، ثم هاجر إلى المدينة، فوالله إني لفي رأس عذق لسيدي أعمل فيه بعض العمل وسيد جالس تحتي إذ أقبل ابن عم له حتى وقف عليه فقال يا فلان قاتل الله بني قيلة والله الآن لمجتمعون معنا على رجل قدم عليهم من مكة اليوم يزعمون أنه نبي، فلما سمعتها أخذتني العرواء حتى ظننت أني ساقط على سيدي، فنزلت عن النخلة فجعلت أقول لابن عمه ذلك ما تقول؟ فغضب سيدي فلكمني لكمة شديدة، ثم قال: مالك ولهذا؟ أقبل على عملك! فقلت: لا شيء إنما أردت أن أستثبته عما قال، وقد كان عندي شيء جمعته فلما أمسيت أخذته ثم ذهبت به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بقباء فدخلت عليه، فقلت له أنه قد بلغني إنك رجل صالح ومعك أصحاب لك غرباء ذوو حاجة، وهذا شيء جمعته كان عندي للصدقة فرأيتكم أحق به من غيركم، فقربته إليه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه «كلوا» وأمسك فلم يأكل، فقلت في نفسي هذه واحدة، ثم انصرفت عنه فجمعت شيئا وتحول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ثم جئته به، فقلت إني قد رأيتك لا تأكل الصدقة وهذه هدية أكرمتك بها، فأكل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر أصحابه فأكلوا معه، فقلت في نفسي هاتان اثنتان، ثم جئت رسول الله وهو ببقيع الغرقد قد تبع جنازة رجل من أصحابه وعلي شملتان لي وهو جالس في أصحابه فسلمت عليه ثم استدرت انظر إلى ظهره هل أرى الخاتم الذي وصف لي صاحبي، فلما رآني صلى الله عليه وسلم استدرت عرف أني استثبت في شيء وصف لي، فألقى الرداء عن ظهره، فنظرت إلى الخاتم فعرفته، فأكببت عليه أقبله وأبكي، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحول» فتحولت فجلست بين يديه، فقصصت عليه حديثي كما حدثتك يا ابن عباس، فأعجب رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمع ذلك أصحابه، ثم شغل سلمان الرق حتى فاته مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بدر واحد، قال سلمان ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كاتب يا سلمان» فكاتبت صاحبي على ثلاثمائة نخلة أحييها له بالفقير، وأربعين أوقية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعينوا أخاكم» فأعانوني بالنخل: الرجل بثلاثين ودية، والرجل بعشرين ودية، والرجل بخمسة عشر، والرجل بعشر، يعينني الرجل بقدر ما عنده، حتى اجتمعت لي ثلاثمائة ودية، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اذهب يا سلمان ففقر لها فإذا فرغت فأتني أكن أنا أضعها بيدي» ففقرت، وأعانني أصحابي حتى إذا فرغت جئته فأخبرته، فخرج معي إليها، فجعلنا نقرب إليه الودي ويضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده حتى فرغت، فوالذي نفس سلمان بيده ما ماتت منها ودية واحدة، فأديت النخل وبقي علي المال، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة الدجاجة من ذهب من بعض المعادن، فقال «ما فعل الفارسي المكاتب» فدعيت له فقال: «خذها فإن الله سيؤدي بها» فأخذتها فوزنت منها لهم والذي نفسي بيده أربعين أوقية فأوفيتهم حقهم، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.هم حقهم، فشهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق ثم لم يفتني معه مشهد.

.فصل: وكان ملك الشام أحد أكابر علمائهم بالنصرانية:

(هرقل) قد عرف أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حقا، وعزم على الإسلام فأبى عليه عباد الصليب، فخافهم على نفسه، وضن بملكه مع علمه بأنه سينقل عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمته. ونحن نسوق قصته، ففي الصحيحين من حديث عبد الله بن عباس، أن أبا سفيان أخبره من فيه إلى فيه، قال انطلقت في المدة التي كانت بين وبين رسول الله صلى الله لعيه وسلم قال فبينا أنا بالشام إذ جيء بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل، وقد كان دحية بن خليفة جاء به فدفعه إلى عظيم بصرى، فدفعه عظيم بصرى إلى هرقل، فقال هرقل: هل ههنا أحد من قوم هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي؟ قالوا نعم، قال فدعيت في نفر من قريش، فدخلنا على هرقل، فأجلسنا بين يديه، وأجلسوا أصحابي خلفي فدعا بترجمانه فقال: قل لهم أني سائل هذا عن الرجل الذي يزعم أنه نبي فإن كذبني فكذبوه، فقال أبو سفيان وايم الله لولا مخافة أن يؤثر علي الكذب لكذبت، ثم قال لترجمانه: سله يكف حسبه فيكم؟ قال قلت: هو فينا ذو حسب: قال: فهل كان من آبائه من ملك؟ قلت: لا، فهل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ قلت لا، قال ومن ابتعه أشارف الناس أم ضعفاؤهم؟ بل ضعفاؤهم، قال أيزيدون أم ينقصون؟ قلت لا بل يزيدون، قال فهل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخل فيه سخطة له؟ قال قلت لا، قال: فهل قاتلتموه؟ قلت نعم، قال فكيف كان قتالكم إياه؟ قال قلت يكون الحرب بيننا وبينه سجالا يصيب منا ونصيب منه، فهل يغدر؟ قلت لا ونحن منه في مدة لا ندري ما هو صانع فيها، قال فوالله ما أمكنني من كلمة أدخل فيها شيئا غير هذه، قال: فهل قال هذا القول أحد قبله؟ قلت لا. قال لترجمانه قل له أني سألتك عن حسبه فزعمت أنه فيكم ذو حسب، وكذلك الرسل تبعث في أحساب قومها، وسألتك هل كان في آبائه ملك؟ فزعمت أن لا، فقلت لو كان في آبائه ملك لقلت رجل يطلب ملك آبائه، وسألك عن اتباعه أضعفاؤهم أم أشرافهم؟ فقلت بل، ضعفاؤهم وهم أتباع الرسل. وسألتك هل كنتم تتهمونه بالكذب قبل أن يقول ما قال؟ فزعمت أن لا، فقد عرفت أنه لم يكن ليدع الكذب على الناس ثم يذهب فيكذب على الله عز وجل، وسألتك هل يرتد أحد منهم عن دينه بعد أن يدخله سخطة له؟ فزعمت أن لا وكذلك الإيمان إذا خالطت بشاشته القلوب وسألتك هل يزيدون أم ينقصون فزعمت أنهم يزيدون، وكذلك الإيمان حتى يتم. وسألتك هل قاتلتموه فزعمت أنكم قاتلتموه فيكون الحرب بينك وبينه سجالا ينال منك وتنالون منه وكذلك الرسل تبتلى ثم تكون لها العاقبة وسألتك هل يغدر؟ فزعمت أنه لا يغدر، وكذلك الرسل لا تغدر، وسألتك هل قال هذا القول أحد قبله؟ فزعمت أن لا، فقلت لو قال هذا القول أحد من قبله قلت رجل ائتم بقول قيل قبله ثم قال: فبم يأمركم؟ قلت: يأمرنا بالصلاة والزكاة والصلة والعفاف، قال إن يكن ما تقول حقا إنه لنبي، وقد كنت أعلم إنه خارج ولكن لم أكن أظنه منكم، ولو أعلم أني أخلص غليه لأحببت لقاءه، ولو كنت عنده لغسلت عن قدميه وليبلغن ملكه ما تحت قدمي. ثم دعا بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأه، فإذا فيه «بسم الله الرحمن الرحيم، محمد رسول الله إلى هرقل عظيم الروم، سلام على من اتبع الهدي، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، اسلم تسلم، أسلم يؤتك الله أجرك مرتين، أما بعد فإني أدعوك بدعاية الإسلام، أسلم تسلم، اسلم يؤتك الله أجرك مرتين، وإن توليت فإن عليك إثم الأريسيين و {يا أَهلَ الكِتابِ تعالوا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَينَنا وَبَينَكُم أَن لا نَعبُدَ اللَهَ وَلا نُشرِكَ بِهِ شيئاً وَلا يَتَخِذَ بَعضُنا بَعضاً أَرباباً مِن دونِ اللَهِ فإِن تَولوا فَقولوا اِشهَدَوا بِأَنا مُسلِمون}» فلما قرأه وفرغ من قراءة الكتاب ارتفعت الأصوات عنده وكثر اللغط، وأمر بنا فأخرجنا، ثم أذن هرقل لعظماء الروم في دسكرة له بحمص، ثم أمرا بأبوابها فغلقت، ثم أطلع فقال: يا معشر الروم: هل لكم في الفلاح والرشد وإن تثبت مملكتكم فتبايعوا هذا النبي؟ فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب فوجدوها قد غلقت، فلما رأى هرقل نفرتهم وأيس من الإيمان قال ردوهم علي، فقال إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم، فقد رأيت، فسجدوا له ورضوا عنه. فهذا ملك الروم وكان من علمائهم أيضا عرف وأقر أنه نبي وأنه سيملك ما تحت قدميه وأحب الدخول في الإسلام فدعة قومه إليه فولوا عنه معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة فمنعه من الإسلام الخوف على ملكه ورياسته، ومنع أشباه الحمير ما منع الأمم قبلهم.